سورة العنكبوت - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىْء} على إضمارِ القولِ أي قُل للكَفَرةِ إنَّ الله إلخ وما استفهامَّيةٌ منصوبةٌ بيدعونَ معلقةٌ ليعلم ومِن للتَّبيينِ أو نافيةٌ، ومِنْ مزيدةٌ وشيءٍ مفعولُ يدعون أو مصدريةٌ وشيءٍ عبارةٌ عن المصدرِ أو موصولةٌ مفعولٌ ليعلمُ ومفعولُ يدعون عائدُه المحذوفُ. وقرئ: {تَدعُون} بالتَّاءِ والكلامُ على الأولين تجهيلٌ لهم وتأكيدٌ وعلى الآخرينَ وعيدٌ لهم {وَهُوَ العزيز الحكيم} تعليلٌ على المعنيينِ فإنَّ إشراكَ ما لا يُعدُّ شيئاً بمن هَذا شأنُه من فرطِ الغباوةِ وإنَّ الجمادَ النسبةِ إلى القادرِ القاهرِ على كلِّ شيءٍ البالغِ في العلم وإتقانِ الفعلِ الغايةَ القاصيةَ كالمعدومِ البحت وأنَّ منَ هذه صفاتُه قادرٌ على مجازاتِهم. {وَتِلْكَ الامثال} أي هذا المثلُ وأمثاله {نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} تقريباً لما بعُد من أفهامِهم {وَمَا يَعْقِلُهَا} على ما هي عليه من الحُسنِ واستتباع الفوائدِ {إِلاَّ العالمون} الرَّاسخون في العلمِ المتدبِّرون في الأشياءِ على ما ينبغِي وعنه عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ أنَّه تَلاَ هذه فقال: «العالمُ من عقلَ عنِ الله تعالى وعمِل بطاعتِه واجتنبَ سَخَطَه» {خَلَقَ الله السموات والارض بالحق} أي مُحقَّاً مُراعياً للحكمِ والمَصَالح على أنَّه حالٌ من فاعلِ خلقَ أو ملتبسةً بالحقِّ الذي لا محيدَ عنه مستتبعةً للمنافعِ الدِّينيةِ والدُّنيويةِ على أنَّه حالٌ من مفعولِه فإنَّها مع اشتمالِها على جميعِ ما يتعلَّقُ به معاشُهم شواهدُ دالَّةٌ على شؤونِه تعالى المتعلقةِ بذاتِه وصفاتِه كما يُفصحُ عنه قولُه تعالى: {إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} دالَّة لهم ما ذُكر من شؤونِه سبحانه وتخصيصُ المؤمنينَ بالذكر مع عمومِ الهدايةِ والإرشادِ في خلقهِما للكلِّ لأنَّهم المُنتفعون بذلكَ.
{اتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب} تقرُّباً إلى الله تعالى بقراءتِه وتذكُّراً لما في تضاعيفهِ من المعاني وتذكيراً للنَّاس وحملاً لهم على العملِ بما فيه من الأحكامِ ومحاسنِ الآدابِ ومكارمِ الأخلاقِ {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ} أي داوِمْ على إقامتِها وحيثُ كانتِ الصَّلاةُ منتظمةً للصَّلواتِ المكتوبةِ المؤدَّاةِ بالجماعةِ وكان أمرُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بإقامتِها متضمناً لأمرِ الأمَّة بها علِّل بقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ والْمُنكَر} كأنّه قيل: وصلِّ بهم إنّ الصَّلاة ثنهاهم عن الفحشاء والمنكر، ومعنى نهيها عنهُما أنَّها سببٌ للانتهاءِ عنُهما لأنَّها مناجاةٌ ةِ تعالى فلا بدَّ أنْ تكونَ مع إقبالٍ تامَ على طاعتِه وإعراضِ كليَ عن معاصيِه قال ابنُ مسعودٍ وابنُ عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما: «في الصَّلاةِ مُنتهى ومُزدجرٌ عن مَعَاصي الله تعالى فمَن لم تأمْره صلاتُه بالمعروفِ ولم تنهَه عن المنكرِ لم يزددْ بصلاتِه من الله تعالى إلا بُعداً» وقال الحسنُ: وقَتادةُ من لم تنهَه صلاتُه عن الفحشاءِ والمنكر فصلاتُه وبالٌ عليه. ورَوَى أنسٌ رضيَ الله عنه «إنَّ فتى من الأنصارِ كانَ يصلِّي مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ لا يدع شيئاً من الفواحِش إلا ركبَهُ فوُصفَ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حاله فقال: إنَّ صلاتَه ستنهاهُ» فلم يلبثْ أن تابَ وحسُنَ حالُه.
{وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} أي وللصَّلاةُ أكبرُ من سائرِ الطَّاعاتِ وإنَّما عبرَّ عنها بهِ كما في قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذِكْرِ الله} للإيذانِ بأنَّ ما فيها من ذكرِ الله تعالى هو العمدةُ في كونِها مفضَّلةً على الحسناتِ ناهيةً عن السيئاتِ وقيل ولذكرُ الله تعالى عندَ الفحشاءِ والمُنكر وذكرُ نهيهِ عنهُما ووعيدِه عليهما أكبرُ في الزَّجرِ عنهما وقيل: ولذكرُ الله إيَّاكم برحمتِه أكبرُ من ذكِركم إيَّاه بطاعتِه. {والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} منه ومن سائرِ الطَّاعات فيحازيكم بها أحسنَ المُجازاةِ.


{لاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب} من اليَّهودِ والنَّصارَى {إِلاَّ بالتى هِىَ أَحْسَنُ} أي بالخصلة التي هي أحسنُ كمقابلةِ الخشونةِ باللِّينِ والغضبِ بالكظمِ والمشاغبةِ بالنُّصحِ والسَّورةِ بالأَناة على وجهٍ لا يدلُّ على الضَّعفِ ولا يُؤدِّي إلى إعطاءِ الدَّنيةِ وقيل: منسوخٌ بآيةِ السَّيفِ {إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} بالإفراطِ في الاعتداءِ والعنادِ أو بإثباتِ الولدِ وقولِهم: يدُ الله مغلولةٌ ونحوِ ذلك فإنَّه يجبُ حينئذٍ المُدَافعةُ بما يليقُ بحالِهم {وَقُولُواْ ءامَنَّا بالذى أُنزِلَ إِلَيْنَا} من القُرآنِ {وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ} أي وبالذي أُنزل إليكُم من التَّوراةِ والإنجيلِ وقد مرَّ تحقيقُ كيفيَّةِ الإيمانِ بهما في خاتمةِ سورةِ البقرةِ. وعن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «لا تُصدِّقوا أهلَ الكتابِ ولا تكذِّبُوهم وقولُوا آمنَّا بالله وبكتبِه ورسلِه فإنْ قالُوا باطِلاً لم تصدِّقوهم وإنْ قالُوا حقّاً لم تكذِّبُوهم» {وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ} لا شريكَ له في الأُلوهيَّةِ {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} مُطيعونَ خاصَّة وفيه تعريضٌ بحالِ الفريقينِ حيثُ اتَّخذوا أحبارَهم ورهبانَهم أرباباً من دُونِ الله {وكذلك} تجريدٌ للخطابِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وذلكَ إشارةٌ إلى مصدرِ الفعلِ الذي بعدَهُ، وما فيهِ مِن مَعْنى البُعدِ للإيذانِ ببُعدِ منزلةِ المُشارِ إليه في الفضلِ أي مثلَ ذلكَ الإنزالِ البديعِ الموافقِ لإنزالِ سائرِ الكتبِ {أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب} أي القُرآنَ الذي من جُملتِه هذهِ الآيةُ النَّاطقةُ بما ذُكر من المُجادلةِ بالحُسْنَى {فالذين ءاتيناهم الكتاب} من الطَّائفتينِ {يُؤْمِنُونَ بِهِ} أُريد بهم عبدُ اللَّهِ بنُ سَلاَم وأضرابُه من أهلِ الكتابين خاصَّة كأنَّ من عداهُم لم يُؤتَوا الكتابَ حيثُ لم يعملوا بما فيهِ أو مَنْ تقدم عهدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم منهم حيثُ كانُوا مصدِّقين بنزولِه حسبما شاهدُوا في كتابيهما، وتخصيصُهم بإيتاءِ الكتابِ للإيذانِ بأنَّ مَن بعدهم من مُعاصري رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قد نُزع عنهم الكتابُ بالنَّسخِ فلم يُؤتَوه. والفاءُ لترتيبِ ما بعدها على ما قبلها فإنَّ إيمانَهم به مترتِّبٌ على إنزالِه على الوجهِ المذكُورِ {وَمِنْ هَؤُلاء} أي ومِن العربِ أو أهلِ مكَّةَ على الأولِ أو ممَّن في عصرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على الثَّانِي {مَن يُؤْمِنُ بِهِ} أي بالقُرآنِ {وَمَا يَجْحَدُ بئاياتنا} عبَّر عن الكتابِ بالآياتِ للتنبيهِ على ظهورِ دلالتِها على معانيها وعلى كونِها من عندِ الله تعالى، وأضيفتْ إلى نونِ العظمةِ لمزيدِ تفخيمِها وغايةِ تشنيعِ مَنْ يجحدُ بها {إِلاَّ الكافرون} المتوغِّلون في الكُفر المصمِّمون عليهِ فإنَّ ذلكَ يصدُّهم عن التَّأملِ فيما يُؤدِّيهم إلى معرفةِ حقّيتها وقيل: هم كعبُ بنُ الأشرفِ وأصحابِه.


{وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ} أي ما كنتَ قبل إنزالِنا إليك الكتابَ تقدرُ على أنْ تتلوَ شيئاً من كتابٍ {وَلاَ تَخُطُّهُ} أي ولا تقدرُ على أنْ تخطَّه {بِيَمِينِكَ} حسبَما هُو المعتادُ أو ما كانت عادَتُك أنْ تتلوَه ولا أنْ تخطَّه {إِذاً لارتاب المبطلون} أي لو كنتَ ممَّن يقدرُ على التِّلاوةِ والخطِّ أو ممَّن يعتادُهما لارتابُوا وقالُوا: لعلَّه التقطَه من كتبِ الأوائلِ، وحيثُ لم تكن كذلكَ لم يبقَ في شأنِك منشأُ ريبٍ أصلاً، وتسميتُهم مُبطلينَ في ارتيابِهم على التَّقديرِ المفروضِ لكونِهم مُبطلينَ في اتِّباعِهم للاحتمالِ المذكورِ مع ظهورِ نزاهتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن ذلكَ {بَلْ هُوَ} أي القرآنُ {آيَاتٌ بَيّنَاتٌ} واضحاتٌ ثابتةٌ راسِخةٌ {فِى صُدُورِ الذين أُوتُواْ العلم} من غيرِ أنْ يُلتقطَ من كتابٍ يحفظونَهُ بحيثُ لا يقدرُ أحدٌ على تحريفِه {وَمَا يَجْحَدُ بئاياتنا} مع كونِها كما ذُكر {إِلاَّ الظالمون} المُتجاوزونَ للحدودِ في الشرِّ والمكابرةِ والفسادِ {وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايات مّن رَّبّهِ} مثلُ ناقةِ صالحٍ وعَصَا مُوسى ومائدةُ عيسَى عليهم السَّلامُ. وقرئ: {آيةٌ} {قُلْ إِنَّمَا الايات عِندَ الله} يُنزِّلها حسبَما يشاءُ من غيرِ دخلٍ لأحدٍ في ذلكَ قطعاً {وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} ليسَ من شأنِي إلا الإنذارُ بما أُوتيتُ من الآياتِ {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} كلامٌ مستأنفٌ واردٌ من جهتِه تعالى ردّاً على اقتراحِهم وبياناً لبُطلانِه والهمزةُ للإنكارِ والنَّفيِ والواوُ للعطفِ على مقدَّرٍ يقتضيهِ المقامُ أي أقصُر ولم يكفِهم آيةٌ مغنيةٌ عن سائرِ الآياتِ {أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} الناطقَ بالحقِّ المصدِّقَ لما بين يديهِ من الكتبِ السَّماويَّةِ وأنتَ بمعزلٍ عن مدارستِها وممارستِها {يتلى عَلَيْهِمْ} في كلِّ زمانٍ ومكانٍ فلا يزالُ معهم آيةٌ ثابتةٌ لا تزولُ ولا تضمحلُّ كما تزولُ كلُّ آيةٍ بعدَ كونِها وتكونُ في مكانٍ دُونَ مكانٍ أو يُتلى على اليَّهودِ بتحقيقِ ما في أيديهم من نعتِك ونعتِ دينِكَ {إِنَّ فِى ذَلِكَ} الكتابِ العظيمِ الشَّأنِ الباقِي على مرِّ الدُّهورِ {لَرَحْمَةً} أي نعمةً عظيمةً {وذكرى} أي تذكرةً {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي لقوم همُّهم الإيمانُ لا التعنُّتُ كأولئك المُقترحينَ، وقيل: إنَّ ناساً من المؤمنينَ أَتَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بكتبٍ فيها بعضُ ما يقولُه اليَّهودُ فقال: «كَفَى بها ضلالةَ قومٍ أنْ يرغبُوا عمَّا جاءَ به نبيُّهم إلى ما جاءَ به غيرُ نبيِّهم» فنزلتْ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7